رابعا التخطيط المعماري للجامع :
كان التخطيط المعماري الأصلي للجامع يتكون من مساحة مستطيلة طولها خمسون ذراعا وعرضها ثلاثون ذراعا، وقد أحيط الجامع من جهاته الأربع بطريق كان عرضه سبعة أذرع، ولقد كانت أرضية الجامع مفروشة بالحصباء، أما سقفه فمغطي بسعف النخيل الذي كان محمولا على ساريات من جذوع النخيل المغطي بالطين، كما أنه لم يكن له صحن ولا محراب مجوف ولا مئذنة وكان به منبرا وقد بنيت جدران الجامع الخارجية من الطوب اللبن وكانت خالية من الزخارف وكان للجامع ستة أبواب في جدرانه ما عدا جدار القبلة فإنه لم يكن به أية فتحات. أما ارتفاع الجامع من الداخل فمن المرجح أنه كان حوالي ثلاثة أمتار مثل المسجد النبوي، وعلى الرغم من اشتراك ثمانون صحابيا في تحديد قبلة الصلاة به إلا أنها جاءت منحرفة قليلا نحو الشرق.
وقد أجريت على جامع عمرو بن العاص عدة زيادات وإضافات خلال عصور إسلامية مختلفة وحتى عصرنا الحالي، وكان أول هذه التغييرات والتجديدات بالجامع في العصر الأموي حيث زيد في مسطح الجامع سنة 53هـ/672م، وعمل له صحن نظرا لزيادة عدد المصلين به.
كما قام "مسلمة بن مخلد" سنة 53هـ/672
–
673م بعمل رحبة أمامية له من الناحية الشمالية وزخرف أسقفه وفرشها بالحصر لأول مرة بدلا من الحصباء، كما بني له أربع صوامع فوق أركانه الأربعة مشابهة للأبراج التي كانت في أركان المعبد الروماني بدمشق في ذلك الوقت، وكان المؤذنون يصعدون إليها بدرج من خارج الجامع لإقامة الصلاة وكانت هذه الصوامع بذلك أول نموذج للمآذن بمصر. (6،5)
ثم توالت بعد ذلك التجديدات بالجامع كان أهمها أعمال عبد العزيز بن مروان الذي ولي مصر سنة 79هـ/698م حيث قام بتوسعة الجامع من الناحية الغربية وأدخل بها الرحبة التي أنشأها مسلمة من الجهة الشمالية ولم يستطع الزيادة من الناحية الشرقية له لضيق الطريق، وفى عام 93هـ/710م قام الوالي "قرة بن شريك" بهدم الجامع وعمل أربع أروقة للجامع أكبرها رواق القبلة
، كما عملت للجامع مطهرة في فنائه، كما عمل للجامع عام 94هـ محراب مجوف ووضع به منبر خشبي كما وضع أمام المحراب مقصورة مثل مقصورة معاوية بن أبي سفيان بالجامع الأموي بدمشق، وفى العصر العباسي زيد في مساحة الجامع عدة مرات كان أكبرها وأهمها زيادة الوالي "عبد الله ابن طاهر" سنة 212هـ/827م حيث أصبح تخطيط الجامع مربع تقريبا، إلا أن أكبر عمارة بالجامع كانت تلك التي قام بها مراد بك عام 1212هـ/1792م حيث تغيرت عمارة الجامع تماما.
في سنة 133 هـ (750م) أتم
الوالي العباسي صالح بن على ، عم أبى جعفر المنصور عمل قرة وأعطى الجامع شكله الذي
بقى عليه مدة طويلة وفى سنة 212 هـ (727م) بلغ الجامع مساحته الحالية على يد عبد
الله بن طاهر والى المأمون ، وثبت الجامع على تلك المساحة إلى أيامنا ( وهى
5،112×120 م ، أي ما يقارب 15000 م2) وهذا المسجد الذي أتمه عبد الله بن طاهر هو
الذي يعتبر اليوم المسجد الأصلي الذي يحافظ عليه.
في عهد خماروية بن أحمد
بن طولون احترق جزء من مسجد عمرو ، فأعاد خمارويه بناءه وأكمل محمد بن طغج الإخشيد
عمله سلفه وقد جدد المسجد عدة مرات زمن الفاطميين وبلغ ذروة جماله القديم في عهد
الخليفة المستنصر وكان في ذلك الوقت يقوم على اربعمئة عمود من الرخام ، وجدار
المحراب مغطى كله بالرخام الأبيض وعليه آيات من القرآن الكريم بخط جميل وكان يضيئه
ليلا عدد من المصابيح بينها ثريا قدمها الخليفة المستنصر ، وزنها سبعة قناطير من الفضة ، إلى جانب سبعمائة قنديل ، كما
المسجد مفروشا بعشر طبقات من الحصير الملون ، بعضها فوق بعض ، وقيل انه كان من أعمر
المساجد بالناس والحركة ، ولا يقل الناس فيه من الصباح إلى العشاء ، عن خمسة ألاف
شخص موزعين ما بين مصبين وشيوخ ومعلمين وطلاب علم.
وفى سنة(515ه/1121م) أمر الأفضل شاهنشاه بن بدر الجمالي ببناء المئذنة السعدية وسط الواجهة البحرية . (1:4)
في عهد صلاح الدين .
وفي عام 564 هـ إبان الحملة الصليبية على بلاد المسلمين ، تخوف المسلمون من احتلال مدينة الفسطاط التي فيها جامع عمرو بن العاص ، فعمد الوزير الضعيف شاور إلى إشعال النيران فيها ، لعجزه عن الدفاع عنها ، فاحترقت المدينة، وتخرب جامع عمرو بن العاص ، وتشعث ، بعد أن استمرت النيران 45 يوماً تتأجج في الفسطاط وتأتي على ما فيه.
إلا أن بطل تحرير بلاد المسلمين من الصليبيين صلاح الدين الأيوبي ، بدأ مرحلة أعمار المسجد من جديد بعد تلك النكبة المهولة ، فأصلح منه عام 568 هـ كثيراً ، وأعاد بناء صدر الجامع والمحراب الكبير ، وكساه بالرخام ونقش عليه نقوشاً حسنة منها اسمه. ،
(4)
في العهد العثماني :
وفي1212 في عهد العثمانيين قام الأمير مراد بك بإعادة بناءِ داخلِ الجامع بعد هدمه ، إثر سقوط إيوانه وميل عُمُده ، إلا أن القائمين على البناء لم يكونوا بمستوى العمل الكبير والمهمة العظيمة لمثل هذه المساجد الضخمة ، فكان ترميم مراد بك غير منتظم ولا متناسق ، غير أنه بني بالمسجد منارتين هما الباقيتان إلى الآن.
ووافق الفراغ من ترميم مراد بك لمسجد عمر بن العاص آخر جمعة من شهر رمضان ، فاحتفل بافتتاحه ، وأثبت تاريخ هذه العمارة في ألواح تاريخية فوق الأبواب الغربية وفوق المحرابين : الكبير والصغير. (6)
وقد اتخذت عادة الاحتفال الشعبي الكبير بآخر جمعة في رمضان في هذا المسجد بصلاة الأمراء والملوك فيه منذ ذلك الحين.
أما التخطيط الحالي للجامع فإنه يتكون من مدخل رئيسي بارز يقع في الجهة الغربية للجامع الذي يتكون من صحن كبير مكشوف تحيط به أربعة أروقة ذات سقوف خشبية بسيطة، أكبر هذه الأروقة هو رواق القبلة ويتكون من إحدى وعشرين بائكة عمودية على جدار القبلة، وتتكون كل بائكة من ستة عقود مدببة مرتكزة على أعمدة رخامية، وبصدر رواق القبلة محرابين مجوفين يجاور كل منهما منبر خشبي، كما يوجد بجدار القبلة لوحتان ترجعان إلى عصر مراد بك. (3 ،5)
كما يوجد بالركن الشمالي الشرقي لرواق القبلة قبة يقال أنه يرجع تاريخها إلى عبد الله بن عمرو بن العاص، أما صحن الجامع فإنه يتوسطه قبة مقامة على ثمانية أعمدة رخامية مستديرة الشكل، وكانت نوافذ الجامع القديمة مزخرفة بزخارف جصية لا زالت بقاياها موجودة بالجدار الجنوبي، أما عقود الجامع في رواق القبلة فإنها ترتكز على أعمدة رخامية ذات تيجان مختلفة استجلبت من عمائر قديمة، هذا ويتوج واجهات الجامع من الخارج من أعلى شرفات هرمية مسننة كما أن للجامع مئذنة
يرجع تاريخها إلى عصر مراد بك وهي عبارة عن مئذنة بسيطة تتكون من دورة واحدة ذات قمة مخروطية . (6،2)